رحلة الحياة

أحد, 22/11/2020 - 00:19

كنا أطفالا حين تحملنا مسؤولية الأسرة في سن مبكرة
كنا خير مثال للأجيال وقتها ومتخلفين في نظر أجيال اليوم
كانت التربية أصعب في ظروف تنعدم فيها مقومات الحياة التي يتطلبها الأطفال و هي متوفرة في عصرنا الحالي
لا ألعاب و لا وسائل للترفيه وللترغيب
تتعب أيدينا ونحن نهدهدهم حتى يأخذهم النوم، فنغفوا ثواني معدودة......
وتجف ألسنتنا في ترديد كلمات الدعاء لحفظهم من شياطين الإنس والجن ..
وترتيل آيات بينات من محكم التنزيل تحفهم من كل عين مارقة ومن كل نفس حاسدة ومن شر ما خلق وبرأ و من شر ما يلج في اليل ويخرج في النهار ..
وما أن تغفو عيونهم حتى تشتاق قلوبنا لأصواتهم ..لهمساتهم..لعبراتهم
لضحكاتهم ..
بل حتى لضجيجهم و صخبهم .. لطيشهم و مشاغباتهم تارات أخرى .......

ننتظر أن يكبروا بفارغ الصبر و نعد الأيام والليالي لنسير وإياهم أولى الخطوات إلى المحظرة ثم إلى الروضة وبعدها إلى المدرسة ..

نفرح حين نراهم يضعون أقدامهم على أولى عتبة الطريق و ما إن تغادر بهم المعلمة حتى نشعر أنها غادرت بقطعة من قلوبنا ..

نتظاهر بالشجاعة أمام كلمة" أريد ماما " نتألم ولا نتكلم ، نصبر لأن في الصبر قيم ومع الأيام القادمة نحصد ثمار الصبر دون ندم .

ونخفي دموعا" سبقت دموعهم ونحن نعلم أنه من الآن فصاعدا" غيرنا سيعلمهم ويلقنهم دروس الحياة .. وقد يختلف ذلك التعليم باختلاف المكان والزمان والأشخاص والشخوص .

هناك محيط جديد يختلف عن محيط الأسرة ، هناك ألفاظ لم نتفوه بها قط ستتكرر على مسامعه......
صديقا سيشاركه أفكاره و ألعابه و خطواته..
سيتحدث معه بكل عمق عن
أسراره وأحلامه و أحزانه وأفراحه ..
أشياء لم يتحدث معنا قط عنها......

تتجافى جنوبنا عن مضاجعها وننظر هل انزاح عنه الغطاء ..هل لدغه الباعوض فى الخفاء ؟ هل تألم هل
كان نافعا ذاك الدواء ؟ وهل مفعوله سريع أم أنه نسخة مزورة أكثر ضررا على الأجسام ؟

ونتسال هل المدرسة أرضية صالحة لتنشئة الأجيال ؟ أم أنها خليط يتباين حتى في الأعمار ؟
هل درس جيدا العبادات و قواعد الإملاء ؟ وهل حفظ نشيد "إشارات المرور" ونشيد "صاحبي يوسف" بالتكرار ؟
هل حفظ الأعداد ، نجمع العيدان و نقلمها ونزينها لتساعده على حفظ درس الحساب

وماذا علمه الصديق الجديد ...يا ترى ماذا دار بينهم ، من همس في الخفاء يسطر في الذاكرة مع الأيام
أكان جيدا" ذاك الصديق ..
أم أنه أغواه وضل به الطريق و أزاحه عن الصراط .

وتمضي صفحات الأيام ولا صفحة تشبه مثيلاتها ..
ويكبرون رويدا رويدا و تختلف الاهتمامات و الطموحات والآراء....

وذاك الخد الأمرد سيخشوشن بلحية .. و يبحث عن المظاهر ليعيش مثل ما يعيش أصدقاءه في ذلك الخيال حيث الدراعة والساعة والنعل والهاتف النقال اهتمامات بعيدة من طلب العلم بخضوع وتقشف وجد و اجتهاد .

والضفائر التي طالما تفننت في تجديلها صارت تلون بشتى الألوان وكانها أقلام رسام يرسم عالما مروعا من الدمار والخراب لا جمال فيه يقال
لولا ستر الملحفة لقلت أنه مس من الجان .

اختفت وراءه جدائل سوداء تنساب انسياب الحرير تحت ضوء القمر كلؤلؤ مثل القصيدة حين تقال .

وتلك اللثة اللذيذة عند بداية الكلام ستختفي و سيحل محلها صوت رخيم .. بتفنن في الإيقاع يكون هادئا حين يخاطب الأصدقاء رومانسيا حين يكون في حضرة من رسمن العيش معه مع الأيام وقد يكون صراخا إذا غاب كل من في المكان...

ونصل إلى نهاية المطاف نضع أيديهم بأيدي رفاق دربهم ليكملوا معهم شق الطريق .. وليعيشوا الحياة....
يشاركوهم أحزانهم و أفراحهم .
عثراتهم ونجاحاتهم .... ونكون نحن مجرد طية من طيات النسيان ....

و نصبح ضيوفا " في بيوتهم
وليصبحوا ضيوفا "في بيوتنا ...حديثهم معنا قد يكون فقط سؤالا أو جوابا و قد لا يكون سوى دخول أو خروج وقد يكون مجرد تغير روتيني في الحياة .

هواتفهم عالمهم وهم صغار بيننا فكيف بهم وهم بعيدون عنا وتمضي الحياة و مع الأيام يبقون مجرد صور "على جدراننا..أو
أصوات " بعيدة في هواتف ذكية نسمعها ...
ونسمي كل ذلك فرحتنا بهم في الحياة .....
اللهم احفظهم بحفظك أينما كانوا
وسخر لهم خير الصحبة يارب العالمين ويا أرحم الراحمين.

مريم سيدي ولد احميده