
إعداد:
الشيخ/م سالم
تعتبر المدرسة الجمهورية محورا أساسيا في البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، وهي تشكل إحدى المرتكزات الأساسية للإصلاح التعليمي المنشود، لكونهاأداة فعالة لترسيخ تعاليم ديننا الحنيف، وقيم ثقافتنا العربية الإ فريقية، وقيم المواطنة، والمساواة، والانسجام الاجتماعي، إضافة لكونها تتيح لأبنائنا جميعا، خدمة تعليمية ذات جودة عالية، تؤهلهم لرفع التحديات، وللاستجابة لمتطلبات تنمية البلد والدفع به إلى مصاف الدول المتقدمة لمواكبة مستجدات العصرومتطلبات العولمه.
**التعريف**
ويعرف البعض المدرسة الجمهورية بكونها هي المدرسة العمومية أصلا والخصوصية لاحقا التي ينتسب إليها ويتعايش في فصولها ومساكنها الطلابية إن (وجدت) جميع تلاميذ البلد على اختلاف ألوانهم وأعراقهم وألسنتهم ومناطقهم ومراكزهم الاجتماعية والاقتصادية بحيث تذوب كل الفوارق ويتربون على المساواة.
فهي تقوم على مجانية التعليم و إجباريته وتسمى أيضا بـ "مدرسة الشعب" لأنها هي الوحيدة التي تجمع جميع الطلاب من كافة الأوساط الاجتماعية جنبا إلى جنب لتلقي نفس التعليم في نفس الظروف .
وتعمل على مقاومة كل النزعات القبلية والاثنية والطائفية والمناطقية التي تزاحم الدولة أو تنازعها في وظائفها.
والمدرسة الجمهورية التي ظهرت في الغرب في نهاية القرن التاسع عشر ليست مجرد مشروع تربوي بل هي مشروع سياسي وحضاري يحمل دلالات أيديولوجية كبيرة تتمثل أساسا في محاربة التقاليد وترسيخ الأخلاق المدنية العلمانية.
وقد نشأت المدرسة الجمهورية في فرنسا في نهاية القرن التاسع عشر مع بدايات الجمهورية الفرنسية الثالثة مع قانون بول برت (Paul Bert) سنة 1879 وقوانين فري Ferry سنة 1881وقانون غوبليه Goblet سنة 1886.
*مبادئ المدرسة الجمهورية*
تقوم المدرسة الجمهورية بحسب أوليفييه كوزين Olivier Cousin على مبادئ أساسية منها
نقل الثقافة الكونية والعقلانية القائمة على القيم الأساسية لفلسفة الأنوار
تأكيد الحياد الاجتماعي للمؤسسة التربوية.
تأسيس تراتبية اجتماعية قائمة على الأهلية الفردية
تكوين الفرد المستقل استقلالا ذاتيا.
أما بالنسبة لنا كموريتانيين مسلمين فإن مبادئ المدرسة الجمهورية لدينا تختلف عنها لدى الغرب خصوصا في النقطة الأولى المتعلقة بأفكار وأيديولوجيا مدرسة الأنوار إذ تتمثل أهم مبادئها لدينا في الرهانات الكبرى لأي نظام تربوي يراد له النجاح و المتمثلة في :
الملاءمة : أي تحقيقها لأهداف المجتمع الثقافية والدينية بتكوين مواطن يومن بالقيم الإسلامية ويتمثلها .
النجاعة : وذلك بتحقيق التناسب ما بين مخرجات النظام التربوي وحاجة سوق العمل .
الإنصاف : ويعني تأسيس تراتبية اجتماعية قائمة على الأهلية الذاتية للفرد وهو ما يسمح بخلق حراك اجتماعي هادئ وسلس يمنح أبناء الطبقات الضعيفة فرصة كسر الجمود الطبقي والقفز إلى قمة المجتمع ثقافيا و وظيفيا وبالتالي اجتماعيا عن طريق التعلم المنصف.
وإذا كانت فرنسا - والغرب عموما - تواجه مشكلة الحفاظ على الهوية العلمانية الليبرالية في وجه سيل ديمغرافي جارف من المهاجرين المتجنسين فإن تحدي الاندماج الاجتماعي المعتز بهويته التاريخية - في الحالة الموريتانية - يعتبر أكبر تحد واجه التخطيط التربوي إبان الأنظمة السابقة.
*أهدافها*
ومن اهم اهدافها تعزيز الولاء للوطن والابتعاد عن التعصب للقبيلة أو الجهة ، وتوطيد أسس الدولة الوطنية الحديثة ،من خلال تأكيد الحياد الاجتماعي للمؤسسة التربوية.
وتعمل المدرسة الجمهورية على قواعد غير شخصية ، والعلاقة الوحيدة التي تحكم نظام عملها هي العلاقة التربوية التي تساعد على تحديد ما يجب تدريسه وكيف يجب تدريسه.
إن المدرسة الجمهورية بما ستتيحه من فرص وإمكانات متعددة بدءا بتعزيز الوحدة الوطنية والتلاحم الاجتماعي و بناء نظام تعليمي شامل، ذي جودة عالية، تتطلب مساهمة الجميع من تلامذة، ومدرسين، ومنظمات آباء التلاميذ، وهيئات تأطير من أجل تنفيذ هذا المشروع التعليمي الهام على أرض الواقع.
و ستعمل المدرسة الجمهورية على استعادة مؤسساتنا التعليمية لدورها حقلا للقيم الجمهورية ودعامة للوحدة الوطنية، عبر إصلاح جذري للنظام التربوي، يتيح لكل طفل في سن التمدرس الانتساب إلى مدرسة عمومية حديثة تعد أجيال المستقبل وتأهلهم لتحمل مسؤولياتهم اتجاه البلد من خلال القدرة على مواكبة تحولات العصر.
وسيمكن هذا المشروع التعليمي من إرساء قواعد المدرسة التي نحلم بها جميعا لأجيالنا الصاعدة،مدرسةٌ يجد فيها كل طفل موريتاني فرصة لنمو طاقاته وتفتق مواهبه في جو تعليمي هادئ تطبعه القيم النبيلة المستمدة من ديننا الحنيف وثقافتنا العربية الافريقية.
ولقد عملت الحكومة ،خلال السنوات الثلاث الماضية على تهيئة الظروف المناسبة للشروع مع بداية الافتتاح الدراسي لهذا العام وبالتدرج ،على تطبيق مضامين المدرسة الجمهورية--حسب القائمين عليها_
وقد مكنت الإنجازات التي تحققت خلال الفترة المحددة على مستوى قطاع التعليم -- سواء تعلق الأمر بتشييد وترميم المنشآت التعليمية أو باكتتاب الطوافم التربوية وتكوينهم و تأهيلهم من، أن يكون مسار تطبيق مشروع المدرسة الجمهورية واضح المعالم مضمون النتائج.
*دخول المدرسة الجمهورية حيزالتنفيذ تطلب العديدمن الانجازات*
وفي لقاء مع مندوب الموقف ، قال المديرالعام للمصادر البشرية السيد السالك ولد جدو،أن المدرسة الجمهورية تعد الإطار التطبيقي للإصلاح الجديد الذي
كان وليد مشاورات بين كل الأطياف السياسية والمدنية و العلماء وهيئآت المجتمع المدني وقادة الرأي في البلد،مضيفا أن الجميع انتظم في منتديات عامة بحسب ولايات الوطن وقد حرص كل الحرص على تسجيل كل الملاحظات والتوصيات التي تفضل بها المشاركون في وثائق صيغت بعد ذلك في قانون حظي بمصادقة الحكومة و الجمعية الوطنية وسمي بالقانون التوجيهي الذي ينظم المنظومة التربوية .
وأوضح أن الإلتزام بالمدرسة الجمهورية أتخذ لدواع عدة أهمها تقوية اللحمة الإجتماعية بين مختلف المكونات وبناء المشترك مابين هذه المكونات على أسس صلبة وترقية اللغات الوطنية بجعلها لغات للتدريس تمكينا من التعرف عليها لمختلف الفئات .
وأكد ان من اهم سمات المدرسة الجمهورية إتاحة الفرصة لمختلف الأبناء لتلقي التكوين في نفس الظروف وبنفس الزي في لوحة تظهر تساويهم في الفرص،مشيرا
إلى ان إنشاء المدرسة الجمهورية ودخولهاحيز التنفيذ تطلب من الدولة القيام بالعديدمن الانجازات تعزيزا للبنية التحتية المدرسية و كلفها الآلاف من الحجرات الدرا سية من 2019إلى 2024 واكتتاب ما يزيد على 10000 مدرس لضمان التغطية الكاملة على عموم التراب الوطني و الزياده في عدد الحجرات المدرسية بـ3.698 حجرة دراسية ما بين أغسطس 2019 وأغسطس 2023؛
• كما اقتنى القطاع ما يربو على 85 ألف طاولة وقفزت أعداد المدارس المستفيدة من الكفالات المدرسية
بنسبة 284%، حيث انتقلت من 63.025 سنة 2019 إلى 242.548 سنة 2024."
وفي رده على ملاحظات البعض حول الارتجالية التي طبعت إنشاء المدرسة الجمهورية و عدم التهيأة للاصلاح ،أشارالمديرالعام للمصادرالبشرية السيد السالك ولد جدو إلى ان ذلك يعتبر من وحي الخيال وينم عن عدم الإطلاع على ماتم القيام به من إنجازات ماثلة للعيان وواضحة للجميع كوضوح الشمس .
و نبه إلى ان" من حق المواطنين أن يستبشرواخيرا بعدما بلغ المشروع حوله الثالث، الشيء الذي يقتضي حصرية نصف المرحلة الأساسية،ممايطمأن على بلوغ المراحل المتبقية بكل ثقة وأمان بحول الله وقدرته وسعي الشعب الموريتاني وقيادته إلى الحصول على الافضل "
*المدرسة الجمهورية فكرة سليمة وهدف سامي*
ويرى سيد محمد اصنيب
الأمين العام للنقابة الحرة للمعلمين الموريتانيين(SLEM) " أن المدرسة الجمهورية من حيث المبدأ تعد فكرة سليمة وهدف سام، وقد يكون من الأجدر والأجدى تأميم الدولة للتعليم الأساسي،إلا ان هذا
القرار كان يجب التحضير له والتشاور حوله و التهيئة لتطبيقه للتغلب على الآثار التي قدتترتب عليه "،مضيفا ان تنفيذه يتطلب استيعاب الاعداد المعتبرة من التلاميذ التي كانت تتجه للتعليم الخاص والزيادة في اعدا المدرسين والبنى التحية التربوية.
وقال ان دخلول السنة الثالثة من التطبيق في المدرسة الجمهورية
اوضح العديد من الصعوبات التي تواجه هذه التجربة الفتية
نتيجة الارتجالية وعدم التخطيط.
وأكد في هذا الصدد" ان المؤسسات العمومية ماتزال عاجزة عن استقبال الآلاف المؤلفة التي تتجه عادة للتعليم الخصوصي، ومظاهر ذلك بادية في ظاهرة الاكتظاظ المغلقة العائقة في تحقيق التعليم النوعي والمثمر والمتسببة في ضعف المستويات وتدني المردودية التربورة للتلاميذ"
واستغرب الامين العام للنقابة الحره للمعلمين الموريتانيين الاستثناء الغريب الذي حصلت عليه بعض المؤسسات التعليمية الاجنبية دون غيرها والتي اصبحت قبلة وتجارة رابحة رائجة عند اصحاب النفوذ من المسؤولين السامين في الدولة ورجال الاعمال،ممايعد ألتفافا على القرار السيادي وانتكاسة له وعدم ثقة المواطن في تطبيقه إلا على الضعفاء.
*المدرسة الجمهورينتظر منها خلق جيل متماسك وموحد*
وبدورها اشارت السيدة عيشة بنت سيدي بابه الامينة التنفيذية في الاتحادية الوطنية لرابطات آباءالتلاميذ والطلاب إلى ان المدرسة الجمهورية كانت حلما
يرا ود القائمين على الشأن التربوي نظرا لمساهمتها في المردودية التربوية للتلاميذ.
وقالت "انه من غير المنصف تقييم تجربة مشروع المدرسة الجمهورية وهي في عامها الثالث ولم تكمل مسيرتها الاساسية خاصة وان منظومتنا التربوية مرت بإصلاحات آخرها اصلاح 99 الذي اجمع الموريتانيون بمختلف اطيافهم ومشاربهم العلمية انه فشل في تحقيق الأداة المنتظر منه .
وقالت ان قطاع التربية وإصلاح النظام التعليمي عكف على مراجعة شاملة للاصلا حات الماضية بسبب هذا الاخفاق المتجسد في أنخفاض نسب النجاح في الامتحانات الوطنية بسبب ضعف المستويات والأ ختلالات الواضحة في البرامج ولغة التدريس ،مما فتح الباب واسعاامام الايام التشاورية ،التي شارك فيها كل الفاعلين من آباء تلاميذ وحكام وعمد وبرلمانيين وغيرهم من هيئآت المجتمع المدني وفتحت منصة تسمح للمواطنين العاديين بالمشاركة بآرائهم ومقترحاتهم ،مضيفة، ان هذه الايام التشاور،افرزت مجموعة من الاقتراحات كانت أكثر شمولية وموضوعية وتمت مباركتها من كافة المشاركين تقريبا .
ونبهت إلى ان من ابرز نتائج هذا التشاور تبني الحكومة للقانون التوجيهي،الذي تم فيه إقرار مشروع المدر الجمهورية التي ينتظر منها خلق جيل متماسك وموحد .
وأكدت السيدة عيشة بنت سيدي بابه على اهمية المدرسة الجمهورية كمؤسسة تعطي للموريتانيين الفرد القابل للاندماج في المجتمع على الأقل ،مشيرة إلى ان هذه المدرسة التي يطمح لهاالشعب الموريتاني تحتاج إلى الزيادة في البنية التحتية ومعالجة المناهج والعنصر البشري الراغب والمقتنع بمهنة التدريس،ممايتطلب حل المشاكل المتعلقة بجودة المخرجات وباستيعاب كل التلاميذ في المرحلة الابتدائية في محاولة للقضاء على التعليم الخصوصي في هذه المرحلة و العمل على توفير البنية التحتية الكافية في غضون ثلاث سنوات قادمة حتى تستطيع المدرسة تحقيق أهدافها على الرغم من ماتم تحقيقه في مجال البنية التحتية والزيادة الملحوظة في عدد الأقسام .
وبينت ان تنفيذ قرار إنشاء المدرسةالجممهورية طرح تحديا كبير إلا أن قطاع التربية نجح إلى حد كبير في تذليل هذا التحدي ومواجهته من خلال ارتفاع النسبة الكبيرة التي سجلت في العام الاول والثاني وبداية العام الثالث وما تميز به العام الاول والثاني في التحسين من مستويات التلاميذ المعبر عنها في ارتفاع نسب النجاح في الامتحانات الوطنية.
وخلصت الأ مينة التنفيذية في الاتحادية الوطنية لرابطات آباءالتلاميذ والطلاب إلى ان هذا المشروع عنده معوقات يلزم التصدي لها ومقاومتها من الجميع ، وخاصة آباء التلاميذ والوكلاء والمدرسين ومسيري القطاع والمجتمع المدني والبرلمانيين والعمد وكل الفاعلين، ومن اهمها
الخريطة المدرسية التي تطرح عائق لايمكن التغلب عليه إلا بمشاركة الجميع والوعي بضرورة تقريب المدرسة من كل طفل في هذا البلد مما يترتب عليه تجميع القرى والتجمعات الصغيرة التي يتحكم فيها النافذين من سياسيين وزعماء تقليديين.