الجيش يثأر ... والأزهر يتبرأ من الخوارج والبغاة / رئيس مجلس إدارة " الأهرام "

أحد, 03/12/2017 - 08:56

فجأة وفى أثناء إلقاء كلمته فى الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، وجه الرئيس حديثه إلى رئيس الأركان الفريق محمد حجازى قائلا: «أنتهز هذه الفرصة وألزم الفريق محمد فريد حجازى أمامكم وأمام شعب مصر، أنت مسئول خلال 3 أشهر عن استعادة الأمن والاستقرار فى سيناء، أنت ووزير الداخلية».

أعتقد أن توجيه الرئيس للجيش والشرطة يأتى من منطلق ثقة كاملة بقدرات الجيش والشرطة فى اجتثاث الإرهاب من جذوره فى سيناء، بعد أن جاوز الظالمون المدى فى حادث مسجد الروضة ببئر العبد، وقتلوا الركع السجود، وأسالوا الدماء على سجاد المساجد فى سابقة هى الأولى من نوعها فى مصر، وهى الأكثر دموية فى تاريخ الإرهاب الأسود فى مصر، وثانى حادث إرهابى على مستوى العالم يقع فيه كل هذا الكم من الضحايا، بعد حادث برج التجارة العالمى فى نيويورك.

حادث مأساوى مروع هز مشاعر كل ذى عقل وقلب فى العالم وأحدث صدمة مدوية للمصريين، أسهم فى تأجيج مشاعر الغضب المكتوم فى صدور المصريين ضد كل الإرهابيين ومن يساندهم ويدعمهم ويتعاطف معهم.

حتى الآن وصل عدد الضحايا إلى 310 شهداء، بالإضافة إلى عشرات المصابين الذين توجد من بينهم حالات خطيرة، مما يعنى أنه قد تزيد حالات الوفيات فيما بعد للأسف الشديد.

ربما يكون هناك بعض الآثار الجانبية الايجابية لهذا الحادث الأليم، أهمها هو تأكيد وحدة المصريين وازدياد تلاحمهم فى مواجهة الإرهاب والإرهابيين، وثانيا: اصطفاف أبناء سيناء صفا واحدا مع القوات المسلحة والشرطة فى المعركة ضد الإرهابيين بعد أن اغتال الإرهاب الأسود المئات منهم شيوخا ورجالا وأطفالا، وثالثا: زيادة تماسك عنصرى الأمة المصرية (مسلمين ومسيحيين)، فالإرهاب لا يفرق بين مسلم ومسيحي، وليس له دين، وشره يحرق الجميع دون تمييز بين المسلم والمسيحى.

لقد ألقى الحادث بظلاله الكئيبة على احتفالات المولد النبوى الشريف، سواء أكانت الاحتفالات رسمية أم شعبية، فالحادث جلل وخطير، وفى ظل سفك الدماء وقتل الأبرياء لا يمكن أن تكون هناك احتفالات، ومن هنا خيم الحزن على الاحتفال الرسمى الذى أقامته وزارة الأوقاف فى الأسبوع الماضي، حتى جاءت كلمة الرئيس واضحة وصريحة، خلال الاحتفال، بالثأر من هؤلاء القتلة الأشرار الذين شوهوا كل معنى جميل، وعاثوا فى الأرض فسادا، مستهدفين هدم أركان الدولة، واستنزاف جهودها، للحيلولة دون استقرار الوطن بدعم من قوى خارجية تمدهم بالمال والسلاح والعناصر الإرهابية.

جريمة مسجد الروضة ببئر العبد تؤكد أن هؤلاء الإرهابيين ضد كل ما هو إنساني، ولحسن الحظ فقد أسقطت تلك الجريمة البشعة آخر ورقة توت عن الإرهابيين، فمصر ليست بها سنة أو شيعة، والمسجد والقرية كلها سنة، ومرتكبو الجريمة من السنة، لأن مصر ليست بها صراعات سنية ـ شيعية، ثانيا: الجريمة تمت داخل المسجد، وللأسف فالذين ارتكبوا الجريمة يدعون أنهم مسلمون، لكل ذلك فإن هذه الجريمة البشعة يجب أن تشكل خطا فاصلا لدى كل مصرى وطنى غيور على بلده، وعلى مستقبل أولاده، ومهما تكن التحديات والصعاب التى تواجهنا فلابد أن تكون الأولوية هى الحفاظ على كيان الدولة من خطر الانهيار والتفتيت كما يريد هؤلاء الإرهابيون.

كل الشواهد تشير إلى أنه إذا دخل الإرهاب دولة وتمكن منها لن تنجو منه أبدا، ويتحول الأمر إلى قتل باسم الدين، وينتهى الأمر إلى الخراب والدمار وسفك الدماء.

حدث هذا فى الصومال أول دولة عربية وقعت فى فخ الإرهاب بعد انهيار حكم الرئيس محمد سياد بري، آخر رئيس صومالى حكم الصومال فى الفترة من عام 1969 حتى 1991، وبعد انهيار حكمه ومنذ 26 عاما حتى الآن والصومال غاصت فى دوامة العنف والإرهاب والاقتتال ثم التقسيم، ولايزال حتى الآن جرحها غائرا والنزيف مستمرا، ومن قبلها وقعت أفغانستان فى الفخ نفسه بعد أن دخل الجيش السوفيتى أفغانستان فى ديسمبر عام 1979 ليستمر هناك نحو 10 سنوات كاملة ثم ينسحب منها بعد ذلك، لتتحول أفغانستان إلى أكبر مركز تجمع للمتطرفين والإرهابيين فى العالم، وتغوص أفغانستان فى الوحل، رغم كل محاولات الدول الكبرى لمساندتها وإخرجها من هذا المأزق اللعين المستمر منذ أكثر من 38 عاما حتى الآن.

السيناريو نفسه يتكرر الآن فى سوريا وليبيا واليمن والعراق، وإن اختلفت الوسائل والأساليب.

الإرهابيون فئة باغية غابت عقولهم وتحجرت قلوبهم، ينفذون مخططات آثمة شيطانية بهدف تفتيت الدول وإغراقها فى مستنقع الاقتتال والفوضي، لذلك جاءت كلمة شيخ الأزهر قوية واضحة، عقب صلاة الجمعة فى مسجد الروضة ببئر العبد، وهى من أكثر الكلمات قوة ووضوحا ضد هؤلاء الإرهابيين حينما قال: «أما القتلة الذين اجترؤوا على الله ورسوله، وسفكوا هذه الدماء الطاهرة فى بيت من بيوته، فهؤلاء هم خوارج وبغاة ومفسدون فى الأرض، وتاريخهم فى قتل المسلمين وترويع الآمنين معروف ومحفوظ»، مشيرا إلى أن النبى صلى الله عليه وسلم قد أمر بقتلهم وتعقبهم، ووعد من يقتلهم بالثواب يوم القيامة بنص الحديث الشريف: «سيخرج فى آخر الزمان قوم، أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، يقرأون القرآن، لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين، كما يمرق السهم من الرمية، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، فإن فى قتلهم أجرا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة»، وفى القرآن الكريم فى سورة المائدة بين الله جزاءهم «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض».

إلى جوار ذلك، فقد طالب الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر ولاة الأمور بأن يسارعوا فى تطبيق حكم الله تعالى بقتال هؤلاء المحاربين لله ورسوله، والساعين فى الأرض فسادا، حماية لأرواح الناس وأموالهم وأعراضهم.

كانت لفتة كريمة وذكية حينما زار شيخ الأزهر ووزير الأوقاف والمفتى القرية المنكوبة وصلوا فى مسجد الروضة أمس الأول الجمعة، وإن كنت أتمنى أن يكون هناك أكبر حشد من كل الفئات والنقابات والجامعات، لزيارة القرية والصلاة هناك، تضامنا مع المنكوبين من أبناء سيناء الحبيبة، لتكون رسالة لهؤلاء الإرهابيين أن مصر لن تنكسر وصامدة حتى يتم اجتثاث جذورهم من كل أراضى مصر الطيبة.

الإرهاب مخطط شيطانى منظم يجتاح دولا عديدة فى المنطقة، بدأ فى أفغانستان ثم الصومال ثم العراق، والآن امتد إلى سوريا وليبيا واليمن، ويريد أن يمتد إلى باقى دول المنطقة فى إطار المخطط الشرير لتفتيت كيانات الدول وهدمها.

لقد بدأ الغزو الأمريكى للعراق فى مارس 2003، وحتى الآن لا يزال العراق يعانى آثار الفوضى والدمار، والأخطر هو شبح التقسيم الذى يهدد العراق، والذى بدأ منذ فترة طويلة، إلا أنه لم يعلن عن نفسه بوضوح إلا هذا العام مع استفتاء الأكراد الذى تم إقرار الانفصال فيه، ولاتزال السيناريوهات المقبلة غير مؤكدة، وكل الاحتمالات مفتوحة، وكل الشواهد تشير إلى صعوبة إعادة العراق موحدا كما كان.

هكذا بعد 14 عاما من الغزو يبدأ سيناريو التقسيم على الأرض، وللأسف يخرج من بيننا من يساهم فى تنفيذ تلك المخططات نتيجة غياب العقل، وعمى البصيرة، وفقدان القدرة على التمييز.

لا بد من تفعيل دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى احتفال المولد النبوى إلى إطلاق عملية ضخمة لتنوير العقول، وترسيخ المفاهيم الثقافية والاجتماعية اللازمة لحماية الشباب والمجتمع كله من الأفكار المتطرفة، مما يتطلب عملا جماعيا من المجتمع كله بشتى مكوناته.

هذه الدعوة التى أطلقها الرئيس لا تقل أهمية عن دعوته الجيش والشرطة لاستعادة الأمن فى سيناء خلال 3 أشهر، فالأمن وحده لا يكفي، ولا بد من توحيد الجهود المجتمعية بدءا بالأزهر والأوقاف ومرورا بالصحافة والإعلام والثقافة وانتهاء بكل مؤسسات الدولة المعنية لتكون حربا شاملة على الجهل والتخلف والإرهاب والتطرف.

عبدالمحسن سلامة